I don't like quoting, but sometimes I can't help it!
Hareega
-----------------------------------------------------------
كنت في صغري أطارد بيّاع «شعر البنات»، بين الحارات، كان لدي شغف بالبنات، والسُكّر وهل في العمر اعذب من مشهد الجدائل، وطعم السكر في الفم؟
«شعر البنات» خيوط زهرية وأحيانا حمراء وأنت تلونها بحسب الصبغة المتوفرة بالسوق ولكن حال ان تضع هذه الخيوط في فمك فانها تتحول على الفور الى سكر اي تعود الى حالتها الاصلية.. ونحن شعب أثقلتنا مرارة العُمر ولهذا نحب السُكّر.... العالم يحب ان يلعب بخصل شعر البنات ذلك ان مداعبة الشعر فيها تعبيرات عفوية عن الحب، أما نحن فنأكل كل الشعر ذلك ان أكل شعر البنات فيه تعبيرات عفوية عن الجوع.... كانت «الهرايس» تستهوي الاطفال، وأحيانا كان هناك حلوى اسمها «كرابيج حلب» و«اذان الراعي» وايضا كان هناك محلول اصفر حامض الطعم اسمه «ذيل القط».. وآخر اسمه «الكلاج».. ولا انسى «العوامة»، وثمة اصابات مرافقة لكل هذه المشتقات تدب في امعائنا لحظة تناولنا لهذه الاشياء.... انا تميزت على كل اقراني بمطاردة،
بياعي شعر البنات في الزوايا والحارات، وحين أصفو مع نفسي اتذكر ماذا فعلت بي البنات وماذا عمل بي شعرهن
الانتماء للدولة الاردنية، ليس حالة فكرية تحتاج لتنظير، هو ليس مقالة، وهو ايضا ليس اتهاما.. او ازمة شيوعي مرتد.. هو طعم، وهو حاسة ايضا.. والاردن ليس سوى سُكّر في الفم
حين عدت الى مطار عمان ذات ضحى، اوجعني الأرق، لم اشعر بسلم الطائرة ولا بكذب الاشتياق، ولا بشريط الذكريات كل ما شعرت به هو طعم شعر البنات في الفم، جاءني وطني في لحظة من العُمر بتفاصيل الصبا وبطعم السكر فقط.....
الاردن سكر ونحن نحس بطعمه.. ترى تحت اي خانة يوضع هؤلاء الذين وأظنهم ذاقوا شعر البنات مثلما فعلنا، تحت اي خانة «يوضع هؤلاء الذين هاجروا للعمل في الصحف والفضائيات، ويسمحون لتلك الاخبار ان تمر لا بل يحررونها بيديهم، واحيانا يذيعونها بأفواههم وكلها شوك وعلقم، هل يا ترى حين يغادر الفرد وطنه يصبح طعم السكر في فمه علقما، وشعر البنات رمادا».... «فيصل القاسم» أمضى 30 عاما من حياته في بريطانيا، ولم يعرّج على وطنه بكلمة واحدة بل في كل لحظة كان يوظف المشاهد والضيف لخدمة الموقف القومي للرفاق، لماذا نحن نختلف عن هؤلاء.... لماذا ضيعوا طعم الاردن، وذرّوا شعر البنات في رماد العيون
الولاء للوطن مشكلة حسية، وليست مرتبطة بالتربية ولا بالقيم ولا بالدين او العرق، والحس هو موقف فأنت تتجهم حين تأكل شيئا مالحا وتبتسم للطعم الحلو.والاردن علّم كل من عاش على ارضه ان يذوقه وان يشمه وان يطارده -مثلما كنا نفعل في الصبا-... أنا ما زال طعم بلادي في فمي، وخصل شعر بناتها في أناملي.. وسأطارد حُلمها اللذيذ الجميل، وسأدافع عنه، أما الاخرون.. فمن اين نحضر لهم حس.. من لا يحس بطعم وطنه هو ليس فاقدا للحس وحده بل لكل شيء.... للعلم هناك أغنية لكاظم الساهر تقول «منين أجيب إحساس للي ما يحس».
عبدالهادي راجي المجالي