سالمة يا سالامة

الزمان: الفين و اثنين

المكان: مستشفى السلط الحكومي

يتجهز حريقة طبيب الامتياز الجديد لمغادرة المستشفى بعد دوامه المعتاد لمدة نصف ساعة

في طريقه للخروج يميل على المكتب الرئيسي ليتفقد اذا ما كان احد الزملاء قد جلب صفطا من البرازق او الوربات حلوانا لمولود جديد او عروس عاشرة

.....

يدخل على المكتب و يجده فارغا فيقفز بسرعة ويخطف دفتر التواقيع المهترئ و يوقع عن زملائه السبعة حسب الاتفاقية الوضيعة المبرمة سرا بينهم بحضور شخص واحد للتوقيع عن السبعة الاخرين

يشف ما تبقى في احدى كاسات الشاي امامه و يستعد للتشليف من المستشفى

وقبل ان يصل الى الدرج واذ بصوت يصرخ عليه من الخلف

" ولك فارس وين؟"

"نازل على الطوارئ اشوف اذا بدهم مساعدة باشي"

"لاء ما يهمك الطوارئ....بدنا انطلعك باسعاف عالبشير"

نظر حريقة المتخرج قبل اربعة اشهر من كلية الطب اليه بنظرة من الذعر
"بقدرش اطلع انا بعمري ما طلعت باسعاف"

"لا تخاف المريظة ما مالها اشي اصلا بس بدنا نعمللها خزعة و ابنقدرش نعملها هان، يلا هسا بحكي مع الشوفير انشالله بس تكون السيارة هان "

بعد قليل نزل حريقة الى مدخل المستشفى ووجد السائق مستندا الى باب السيارة وعند رؤيته لحريقة اخرج باكيتا من السغائر ومده صوب

حريقة

"بتدخن دكتور؟"

"لاء"

"امانة؟"

"لاء شكرا"

ثم اتجه حريقة الى خلف السيارة ليصعد مع المريضة، فامسك السائق بيده ليوقفه
"وين رايح دكتور؟ لا تحكيلي بدك تطلع ورا"

" اه طبعا لازم اطلع معها"

رفع السائق يديه في السماء واجاب باستهجان"بس انت دكتور ما بسير تقعد ورا ، لا تخاف عالمريظة بنتها معها، وهي اصلا ما مالها اشي رايحة بس تعمل تنظير، وبيني و بينك عمرها سبعة و ثمانين سنة فهمك سابق"

قفز حريقة الى الامام و تسلق الى الكرسي و جلس بجانب السائق المنتشي الذي نظر اليه بعينيه الجاحظتين من وجهه المحمر وصرخ باعلى صوته "والله يا هلا بالدكتور .... نورت السيارة"

وبدا حريقة بالرد لكن صوته اختفى في صوت صفارات السيارة و صوتها يولول في اجواء السلط

فور الانطلاق اتجه السائق نحو شارع فرعي بجانب مدرسة للاطفال، وبدا السائق بلولحة السيارة يمينا و يسارا و بدا الاطفال الذين كانوا يلعبون في الشارع بالصراخ والركض بذعر واصطدم بعضهم بالاخر واقعا على الارض

"معلش دكتور هيك بزيحو اسرع"

ثم اطلق السائق العنان لسيارته وغير نوع صفارته، وبدات السيارات في الطريق بالانبعاج بالتساوي الى اليمين واليسار في مشهد جميل بدا وكانه عرض باهر للسيرك دي سولاي

"اخر مرة والله جبتها بربع ساعة، بس هسا ازمة واكيد راح تلاقيلك ابن حرام اطرش بدوش يزيح عن الطريق"

و بدا حريقة بالتساؤل عن مهارة هذا السائق الشاب الذي بدا في منتصف العشرينات، وساله عما اذا كان سائقا لفترة طويلة

" والله دكتور صارللي ابو سنة و شوي بسوق"

" و شو كنت تشتغل قبلها "

"كنت بشتغل بالهابي فاميلي ستورز"

"شو كنت بتسوي هناك؟ توصل اغراض عالبيوت؟"

"لا والله عالكاش ...بس اتهاوشت مع مدير هناك، بعدين استدليت عمعرفة بوزارة الصحة حكالي تشتغل عهالسيارة قلتلوا ما حدا بشتغل هالشغلة غيري

ثم دعس بعنف على دواسة البنزين واكمل حديثه "بيني و بينك شغلة اخت فلاته بتخليك تحس بالحرية ..... بعدين السيارة فول اوبشن" ثم اشار باصبعه نحو لوحة من ثمان ازرار قائلا "شايف هاي دكتور كل كبسة بصوت شكل، يلا دكتور جربلك اكمن كبسة

"

و كالطفل الصغير بدا حريقة بالتكبيس و تغيير الاصوات و اعجب بالاصوات الساحرة التي كانت تخرج من السيارة وشعر بسعادة اكثر لانها كانت المرة الوحيدة التي كان يسمح له بعمل دور الدي جاي و لو لدقائق معدودة

ثم مرت السيارة بجانب الجامعة الاردنية و رغم ان السيارات كانت تنحرف عن الطريق بفزع من صوت الاسعاف الا ان السائق ابطا قليلا من سرعته ناظرا الى مدخل الجامعة قائلا بصوت هستيري " بنات الجامعة مشلحات يا حبيبي

وعندما كاد على وشك الاقلاع مرة اخرى زج بسيارته قرب الجزيرة الوسطية حيث كانت تقف فتاة تلبس تي شيرت دون اكمام تهم لقطع الشارع فاقترب منها السائق وابطا يشدة حتى كاد يتوقف واخرج راسه صارخا"لساتها الدنيا صيف و بعدو اللحم مبين

ثم ادخل راسه و ضحك ضحكة ماجنة قبل ان يسمع الحجة في الداخل تسال "مطولين لنوصل عالبشير؟؟

ورغم انه لم يجيبها الا ان سؤالها كان مهما لتذكيرنا ان هناك مريضا كان موجودا في السيارة

وصلنا الى البشير وتوجهت نحو قسم الاستقبال و قلت لهم اننا اوصلنا للتو المريضة من السلط التي تحتاج للخزعة

اجابني المسجل "لع، المريظة حسنية هاظي جاي من السلط تعمل تخطيط دماغ

وقبل ان ابدا بالنقاش هب السائق من خلفي صارخا " هاظي يا رجل جاي عندكو تعمل تنظير قولون ايوه"

و قبل ان يحتد النقاش اخرجت الملف و اعطيته للمرضة وقلت لها ان تتصل بطبيب الباطني ليرى المريضة وانسحبت من ساحة المعركة و عدت بسيارة الاسعاف الى السلط وانا افكر ان "نقص الامكانات والموارد المالية" لا تفسر كل المشاكل التي نعيشها.

حريقة