الزمان: نهاية صيف ٢٠٠٢ او ٢٠٠٣
المكان: الجامعة الاردنية- غرفة التسجيل امام السكوير الذي تحول لاحقا الى رقعة شطرنج بشرية
حجم الغرفة: صغير جدا
عدد الناس داخل الغرفة: كثير جدا
ديانة الواقفين: ليست معروفة لكن معظهم كان عم بكفر
ذهبت الى غرفة التسجيل لاستخرج نسخ اضافية من شهادات تخرجي، وهناك وقفت في طابور طويل جدا في اجراءات كادت تستغرق اكثر من وقت دراستي في الجامعة، لكن بما ان مدير التسجيل طلع صديق للوالد وكانو يمشو مع بعظ اثنين كيلو كل يوم تحت الشتا حتى يوصلوا للمدرسة و اللي بسمع بفكرها كل يوم بتشتي بالاردن، المهم مدير التسجيل مشالي الطلب و انا رحت على غرفة التسجيل عشان ادفع ليرتين وانقلع
وقفت بالطابور الطويل و راس مالها الواحد يغفل دقيقتين ثلاثة عشان يلاقي عدة وجوه جديدة واقفة قدامه بالطابور يلا بسيطة ...
ما لفت انتباهي هو رجل عجوز بدا لي في الستين او السبعين من العمر واقف على الطابور و ليس بيديه اي اوراق تسجيل او مغلفات .... كان واقفا فارغ اليدين امام الشباك مرتديا جاكيتا بدا لي متسخا بعض الشيء
وقف العجوز طويلا في الطابور و بالرغم من ان اقدامي تكسرت وشعرت بالدفش و عدد هائل من اللمسات التي اتمنى ان تكون بريئة الا اني شعرت بالشفقة على العجوز اكثر مما شعرته مع اني عديم الاحساس
وقف الزلمة قدامي ومن شدة فضولي وعدم احترامي لخصوصية الاخرين وقفت فوق راسه عشان اسمع الحج شو بدو يسولف
نظر من الشباك الزجاجي ابو خزقة زغيرة من تحت واحنى راسه ليتحدث من الخزقة لعل الانسة القرفانة عيشتها الجالسة من وراء الشباك تسمع صوته المتواهن الذى قضمه الزمن دون رافة
قال الحج .... عمي متى اخر موعد للتسجيل؟؟جاء الصوت من وراء الشباك... الخميسسالها مرة اخرى.... انوو خميس
اجابت الانسة... انو خميس؟؟ هادا الخميس
وهنا شعرت بان الحديث سيطول فوقفت جانب الحج و كانني قادم معه
رسم الحج ابتسامة على وجهه وسال الاخت مرة اخرى..... ممكن ندفع بعدين؟؟
في هذه اللحظة استنضفت الانسة المنزعجة ان ترفع راسها من فوق طحشة الاوراق لتنظر الى الرجل قائلة.... مش ممكن، ما بسيرحافظ الحج على ابتسامته بصعوبة وقال... اسبوعين زمان ....
وهنا سمعت الشب المطقع يقول ورائي بصوت لا يكاد يسمع لكنه مسموع "يلاااا يا عمو
اجابت الانسة .... ما بئدر عمو ما بئدر ، وعادت تنهمك في التوقيع على طحشة من الاوراق مكتوبة بخط اصعب من خط الاطباء ومزينة باختام ابشع من تلك التي تزين اللحوم البلغارية
تخلص الحج من ابتسامته و رد بشيء من العتاب " ما هو يا عمي ما انت شايفة الحال كيف
و لم ترد الانسة عليه و ظل الحج واقفا ثم تصاعدت الافئفات من الطابور
اما العجوز فقد نظر بشيء من الخوف حوله وعاد ينظر الى الانسة وراء الشباك، ومرة ثانية نظر الي ورفع حاجبيه ونفخ خديه كطفل صغير على وشك الانهماك في البكاء، نظر كثيرا حتى خلته ينتظر مني اجابة على سؤال سئل كثيرا و لم يجب عليه
ترك الحج الغرفة المزعجة و تركتها انا ايضا ليس فقط للحاقه بكلمة مواسة بل لان الواقفين على الطابور اعتبروني خرجت منه بمجرد الخروج جانبا عندما تصنت على العجوز
مشيت خلف العجوز الذي نزل فتح الباب ليجد فتاة في حوالي العشرين تلبس جلبابا يبدو و كانه لبس مئات المرات ..... نظرت اليه بفضول وقالت
" ايش "
ولم يجبها والدها لكنه نظر اليها للحظة وردت عليه بنظرة اخرى و بدا و كانهما قالا الف كلمة، و راودني شعور انهما تبادلا هكذا نظرات
عدة مرات في السابق
عدة مرات في السابق
وقفت انا كالسائح الذي يسمع الغرباء يتحدثون لغة لم يسمعها من قبل
امسك الرجل بيد ابنته وقادها في طريق جامعة بنيت في شبابه وهو يفكر و يفكر وابنته تنظر بحياء الى الارض
حريقة